الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية "الإدارة السعيدة" من يوميّات الصحفي والروائي نبيل قديش

نشر في  08 أوت 2017  (11:46)

الصحفي والروائي التونسي نبيل قديش

لست رئيس جمهوريّة ولا وزيرا ولا واليا ولا رئيس حزب سياسيّ لأقوم بزيارة فجئية إلى مقرّ بلديّة أريانة الصغرى، لكنّني كنت مواطنا عاديّا وجد نفسه مبكرا نحوها، ليحجز دوره قبل الآخرين، ويقضى حاجته قبل أن تستعر شمس هذه الأيّام القائضة، وشاءت الصدف أن التقط بعين الروائي التي تمتاز عن عيني المواطن قليلا برصد كلّ التفاصيل الصغيرة والكبيرة منها.

طبعا لا أخفى عليكم أنّني ذهبت كالعادة بضيق الصدر الذي يلازمني كلّما قصدت مرفقا عامّا خوفا من تعطيلات محتملة وتأخر في مواقيت العمل، وغياب الموظّف المسئول وكلّ ذلك البؤس الذي ترسّخ في ضمير كلّ تونسي عن الإدارة التونسيّة وللأسف الشديد. 

لكنّني وللأمانة فوجئت بأن كلّ تلك الخواطر السوداء والظنون قد سقطت كلّها في الماء، وعشت حلما سعيدا مع الإدارة التونسيّة خلال صباح سيبقى عالقا في مخيّلتي وأردت أن أشارككم إيّاه حتّى تعلموا أنّ الإدارة التونسية ما زالت بخير، وتواصلوا عقد آمالكم عليها ولا تيأسوا من دعمها في هذه الفترة الحسّاسة والمفصليّة من تاريخ وطننا العزيز تونس.

نعم الإدارة التونسيّة ورغم كلّ ما يقال عنها بخير، فهي عمود هذا الوطن وسدّه المنيع، وحصنه الحصين يوم هرب الكلّ كما تذكرون وأذكر. ورغم كلّ حملات التشويه والنيل من تضحياتها وجهدها ستبقى علامة مضيئة وبارقة أمل في هذا الظلام الدامس على ما فيها من هينات لا يمكن إنكارها.

أقول هذا وأنا متأكّد أنه حين تصحو الضمائر، وبخاصّة ضمير الإدارة يصحو الوطن من غفوته العميقة. أتمنى أنّ الحلم السعيد الذي عشته منذ يومين في بلدية أريانة الصغرى يتواصل معي حين أتوجّه إلى كل المرافق العموميّة في كلّ هذا الوطن العزيز.

أحكي لكم عن حلمي المرح الذي لم يكن في المزرعة السعيدة في لعبة افتراضية، بل حلم يقظة حقيقيّ  بدأ منذ السابعة والنصف صباحا، البلدية مفتوحة وعون الاستقبال شابّ مرح بشوش يجيب على استفسارت المواطنين بكلّ لطف، بعد دقائق معدودات قبل توقيت العمل الرسميّ يقبل السيّد رئيس البلديّة قبل كلّ منظوريه، وهو أيضا شابّ حسن الهندام والخلق. وهكذا بدأت تدبّ الحياة في مقر البلديّة مثل خليّة نحل.

تمام الساعة الثامنة صباحا كان الكلّ في مكتبه، والكل يعمل. ولأوّل مرّة في حياتي لم أسمع مواطنا يصرخ ولا مسئولا يعربد. كلّ شيء يمرّ بسلاسة وهدوء عجيبين. الساعة الثامنة والنصف صباحا غادرت مقرّ البلديّة بعد أن قضيت حاجتي، غير مصدّق بعدُ أنّني لم أكن رئيسا ولا وزيرا ولا مسئولا ولا شخصيّة نافذة كي تقام من أجلي حفلة الانضباط والتفاني تلك.